بقلم د. رفعت سيد أحمد
هللت الصحافة والإعلام المصرى والعربى المتأمرك باللقاء الثلاثى أوباما وكاميرون وساركوزى (قتلة العرب فى فلسطين والعراق وليبيا) بالسيد الدكتور / عصام شرف رئيس الحكومة الانتقالية المصرية ، فى قمة الدول (الاستعمارية) الثمانى فى منتجع (دوفيل) شمال فرنسا يوم الجمعة الماضى (27/5/2011) ، وزاد الفرح لدى نخبتنا السياسية والإعلامية بعدما قرأوا البيان الختامى للقمة ، والذى تضمن تعهدات بتقديم 20 مليار دولار لدعم ثورتى مصر وتونس ، وكادت الصحيفة الرصينة العجوز (الأهرام) ترقص طرباً لهذا الخبر فى صدر صفحتها الأولى ، رغم أن الخبر لو تمعنوا فى مضمونه ، أو صدقوا مع ثوريتهم المدعاة ؛ يحمل شهادة وفاة الثورة التى أتت برئيس التحرير ومجلس الإدارة ، وصار على نهج (الأهرام) باقى جوقة الإعلام المصرى والفضائيات وبرامج التوك شو .. حول هذا الفرح ، فى مقام العزاء ، دعونا نسجل ما يلى عله يفيد ، ويوقظ النوم الهاجعين :
أولاً : يخبرنا التاريخ ، قديمه وجديده ، أن واشنطن والدول الثمانى (الاستعمارية) الكبرى ، لا تقدم مساعدة مالية أو سياسية إلا إذا كان الهدف هو مصلحتها هى بالأساس ، أو مصلحة رأس حربتها فى المنطقة (إسرائيل) فلا سواد عيون عصام شرف ، أو ثوار التحرير ؛ له قيمة لدى الرئيس الأمريكى العنصرى ضد العرب والمسلمين بامتياز (رغم سواد بشرته) ؛ الأمر من ألفه إلى يائه هو مصلحة الغرب ، وإسرائيل ، ولنقرأ تاريخ القروض والمنح الأمريكية لمصر بعد توقيع كامب ديفيد 1979 (2 مليار دولار سنوياً) ، حيث كان هدفها ، ودورها (أى القروض) هو رشوة السياسة المصرية لتلعب دور العراب أو السمسار لطريق التطبيع البائس، مع ربط عجلة الاقتصاد المصرى بالغرب وتحديداً بالبنك والصندوق الدوليين وشروطهما الاقتصادية المذلة ، التجربة والتاريخ خير شاهد ، لا شىء لوجه الله ، المنح والقروض ، من أجل السياسة ، والوثائق عن عهد مبارك الأمريكى ، متوفرة لمن يشاء !! .
ثانياً : ولكن السؤال .. إذا كان الأمر كذلك إبان عهد مبارك المخلوع ، فماذا تريد واشنطن وعواصم الغرب الاستعمارى من ثورة 25 يناير ، ومن (مصر الجديدة) ؟ الإجابة ، تريد ترويض الثورة ، وتحويلها إلى ثورة أمريكية الطبيعة والهدف ، تريد أن تعيد تجديد نظام مبارك البائد ، بنكهة ميدان التحرير ؛ تريد أن تربط مصر بعد ثورة يناير بإسرائيل ، وبالمصالح الأمريكية والأوروبية العدوانية فى المنطقة برباط وثيق ، أو قل بقيود جديدة من المعونة والديون ، ونحسب أن مجرد جلوس الدكتور عصام شرف ، وفرحه الطفولى ، هو وبعض صبية الإعلام الحكومى والخاص فى مصر ، بهذه القروض ، مضافاً إليها قروض المشيخيات الخليجية الأمريكية (قطر – السعودية – الإمارات) ، لهو إشارة مهمة على قبول الدور الجديد ، دور الحارس للمصالح الأمريكية والمرتبط بالاستراتيجية الإسرائيلية ، تماماً مثلما كان نظام مبارك البائد ؛ ولكن هذه المرة تحت غطاء جميل وجذاب اسمه ثورة 25 يناير ؛ وهو الأمر الأكثر سوءاً، لأنه دور يكتسب شرعية ثورية وشعبية كان يفتقدها الرئيس المخلوع .
إن الفرح الإعلامى والسياسى بهذه القروض ، كما بدى فى الأيام الماضية ، لدليل بؤس عقلى ، وبؤس ثورى ، يحتاج ليس مراجعة ، بل إلى علاج نفسى عاجل ، ربما عبر مليونية جديدة تحاصر ولعدة أيام السفارة الأمريكية الملاصقة لميدان التحرير ، ففى ذلك علاج لمرضى المعونة وأشباه الثوار من سياسينا وإعلاميينا !!
ثالثاً : الخلاصة ، وبإختصار ، إن قبول الديون والقروض المشروطة من قِبَل حكام مصر الجدد من العسكر أو المدنيين سوف يؤدى تدريجياً وفى أقل من عام واحد من الآن ، إلى أن تصبح ثورة 25 يناير بشهدائها الـ (800) وجرحاها الـ (12 ألف) مجرد أغنية على شاشة فضائية تافهة ، أو علم صغير يرفرف فوق عربة بطاطا لبائع متجول فى ميدان التحرير ؛ وستنتهى الثورة الحقيقية تماماً ، لأنها ابتعدت عن جوهر دورها ، وهو الاستقلال الوطنى ، وعن ربقة التبعية المقيتة لواشنطن والغرب ؛ إن مجرد أن يقل قادة هذا الغرب الاستعمارى (تحديداً أوباما – ساركوزى – كاميرون) أنهم تعلموا وأحبوا الثورة المصرية ، فإن هذا معناه أن ثمة خلل استراتيجى كبير فى هذه الثورة ، وأنها فى سبيلها للموت السريرى ، نعم .. بئساً لثورة يؤيدها أوباما ، إذا كيف لقاتل أهلى فى العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان وليبيا .. أن يحب ثورتنا ويؤيدها ؟ كيف ؟! .
نقلاً عن الدستور
E – mail : yafafr@hotmail . com